فصل: الخبر عن طاغية الافرنجة ومنازلته تونس في أهل نصرانيته.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن خروج السلطان إلى المسيلة.

لما اتصل بالسلطان شأن أبي قاسم ابن عمه أبي زيد وفصاله عن رياح إلى المغرب بعد عقدهم معه خرج من تونس سنة أربع وستين في عساكر الموحدين وطبقات الجند لتمهيد الوطن ومحو آثار الفساد منه وتقويم العرب على الطاعة وتنقل في الجهات إلى أن وصل بلاد رياح فدوخها ومهد أرجاءها وفر شبل بن موسى وقومه الدواودة إلى القفر واحتل السلطان بالمسيلة أخر وطن رياح ووافاه هنالك محمد من عبد القوي أمير بني توجين من زناتة مجددا لطاعته ومتبركا بزيارته فتلقاه من البرور تلقي أمثاله وأثقل كاهله بالحباء والجوائز وجنب له الجياد المقربات بالمراكب المثقلة بالذهب واللجم المحلات وضرب له الفساطيط الفسيحة الأرجاء من ثياب الكتان وجدل القطن إلى ما يتبع ذلك من المال والظهر والكراع والأسلحة واقطع له مدينة مقرة وبلد أوماش من عمل الزاب وانقلب عنه الى وطنه.
ورجع السلطان إلى تونس وفي نفسه من رياح ضغن إلى أن صرف إليهم وجه تدبيره كما نذكره ولثانية احتلاله في الحضرة كان مهلك مولاه هلال ويعرف بالقائد وكان له في الدولة مكان بمكان تلادا للسلطان وكان شجاعا جوادا خيرا محببا سهلا مقبلا على أهل العلم وذوي الحاجات وله في سبل الخير آثار منقولة صار له بها ذكر فارتمض السلطان لمهلكه والله أعلم.

.الخبر عن مقتل مشيخة الدواودة.

كان شبل بن موسى وقومه من الزواودة فعلوا الأفاعيل في اضطراب الطاغية ونصب من لحق بهم من أهل هذا البيت للملك فبايعوا أولا للأمير أبي إسحق كما ذكرناه ثم بعده لأبي القاسم ابن عمه أبي زيد وخرج إليهم السلطان سنة أربع وستين وستمائة ودوخ أوطانهم ولحقوا بالصحراء ودافعوه على البعد بطاعة ممرضة فتقبلها وطوى لهم على البت ورجع إلى تونس فأوعز إلى أبي هلال عباد عامل بجاية من مشيخة الموحدين باصطناعهم واستئلافهم لتكون وفادتهم عليه من غير عهد وجمع السلطان أحلافه من كعوب بني سليم ودباب وأفاريق بني هلال وخرج من تونس سنة ست وستين وستمائة في عساكر الموحدين وطبقات الجند ووافاه ابن عساكر ابن السلطان إخوة بني مسعود ابن السلطان من الزواودة فعقد لمهدي ابن عساكر عن إمارته قومه وغيرهم من رياح وفر بنو مسعود ابن السلطان مصحرين والسلطان في أثرهم حتى نزل نقاوس وعسكروا بثنايا الزاب ورسلهم تختلف إلى أبي هلال إيناسا للمراجعة على يده للدخلة في الساحة فأشار عليهم بالوفادة على السلطان وفاء بقصده من ذلك فثقبلوا إشارته ووفد أميرهم شبل بن موسى بن محمد بن مسعود وأخوه يحيى وبنو عمهما أولاد زيد بن مسعود: سباع بن يحيى بن دريد وابنه وطلحة بن ميمون بن دريد وحداد بن مولاهم بن خنفر بن مسعود وأخوه فتقبض عليهم لحينهم وعلى دريد ابن تازير من شيوخ كرفة وانتهبت أسلابهم وضربت أعناقهم ونصبت أشلاؤهم بزوايا من جهات نقاوس حيث كانت بيعتهم لأبي القاسم بن أبي زيد وبعث برؤسهم إلى بسكرة فنصبها بها وأغذ السير غازيا إلى أحيائهم وأحلهم بمكانها من ثنايا الزاب وصحبهم هنالك فأجفلوا وتركوا الظهر والكراع والأبنية فامتلأت أيدي وسدويكش منها ونجوا بالعيال والولد على الأقتاب والعساكر في أتباعهم إلى أن أجازوا وادي شدى قبلة الزاب وهو الوادي الذي يخرج أصله من جبل راشد قبلة المغرب الأوسط ويمر إلى ناحية الشرق مجتازا بالزاب إلى أن يصب في سبخة نفراوة من بلاد الجريد.
فلما جاز فلهم الوادي أصحروا إلى المفازاة المعطشة والأرض الحرة السوداء المستحجرة المسماة بالحمادة فرجعت العساكر عنهم وانقلب السلطان من غزاته ظافرا ظاهرا وأنشده الشعراء في التهنئة ولحق فل الزواودة بملوك زناتة فنزل بنو يحيى بن دريد على يغمراسن بن زيان وبنو محمد بن مسعود على يعقوب بن عبد الحق فأجازوهم وأوسعوهم حباء وملؤا أيديهم بالصلات ومرابطهم بالخيل وأحياءهم بالأبل ورجعوا إلى مواطنهم فتغلبوا على واركلة وقصور ريغة واقتطعوها من إيالة السلطان ثم انحرفوا إلى الزاب فجمع لهم عامله ابن عتو وكان موطنا بمقرة ولقيهم على حدود أرض الزاب فهزموه واتبعوه إلى بطاوة فقتلوه عندها واستطالوا على الزاب وجبل أوراس وبلاد الحصنة إلى أن اقتطعهم الدول إياها من بعد ذلك فصارت ملكا لهم والله تعالى أعلم.

.الخبر عن طاغية الافرنجة ومنازلته تونس في أهل نصرانيته.

هذه الأمة المعروفة بالإفرنجة وتسميها العامة بالإفرانسيس نسبة إلى بلد من أمهات أعمالهم تسمى إفرانسة ونسبهم إلى يافث بن نوح وهم بالعدوة الشمالية من عدوتي هذا البحر الرومي الغربي ما بين جزيرة الأندلس وخليج القسنطينة مجاورون الروم من جانب الشرق والجلالقة من جانب الغرب وكانوا قد أخذوا بدين النصرانية مع الروم ومنهم لقنوا دينها واستفحل ملكهم عند تراجع ملك الروم وأجازوا البحر إلى أفريقية مع الروم فملكوها ونزلوا أمصارها العظيمة مثل سبيطلة وجلولا وقرطاجنة ومرناق وباغاية ولمس وغيرها من الأمصار وغلبوا على من كان بها من البربر حتى اتبعوهم في دينهم وأعطوهم طاعة الانقياد ثم جاء الإسلام وكان الفتح بانتزاع الأعراب من أيديهم سائر أمصار أفريقية العدوة الشرقية والجزر البحرية مثل أقريطش ومالطة وصقلية وميورقة ورجوعهم إلى عدوتهم.
ثم أجازوا خليج طنجة وغلبوا القوط والجلالقة والبشكتس وملكوا جزيرة الأندلس وخرجوا من ثناياها ودورها إلى بسائط هؤلاء الإفرنجة فدوخها وعاثوا فيها.
ولم تزل الصوائف تتردد إليها صدرا من دولة بني أمية بالأندلس وكان ولاة أفريقية من الأغالبة ومن قبلهم أيضا يرددون عساكر المسلمين وأساطيلهم من العدوة حتى غلبوهم على الجزر البحرية ونازلوهم في بسائط عدوتهم فلم تزل في نفوسهم من ذلك ضغائن فكان يخالجها الطمع في ارتجاع ما غلبوا عليه منها.
وكان الربع أقرب إلى سواحل الشام وطمع فيها فلما وصل أمر الروم بالقسنطينة ورومة واستفحل ملك الفرنجة هؤلاء وكان ذلك على هيئة سمو الخلافة بالمشرق.
فسموا حينئذ إلى التغلب على معاقل الشام وثغوره وزحفوا إليها وملكوا الكثير منهم واستولوا على المسجد الأقصى وبنوا فيه الكنيسة العظمى بدل المسجد ونازلوا مصر والقاهرة مرارا حتى جاد الله للإسلام من صلاح الدين أبي أيوب الكردي صاحب مصر والشام في أواسط المائة السادسة جنة واقية وعذابا على أهل الكفر مصبوبا فأبلى في جهادهم وارتجع ما ملكوه وطهر المسجد الأقصى من أفكهم وكفرهم وهلك على حين غرة من الغزو والجهاد ثم عاودوا الكرة ونازعوا مصر في المائة السابعة على عهد الملك الصالح صاحب مصر والشام وأيام الأمير أبي زكريا بتونس فضربوا أبنيتهم بدمياط وافتتحوها وتغلبوا في قرى مصر وهلك الملك الصالح خلال ذلك ولي ابنه المعظم وأمكنت المسلمين في الغزو فرصة أيام فيض النيل ففتحوا الغياض وأزالوا مدد الماء فأحاط بمعسكرهم وهلك منهم عالم وقيد سلطانهم أسيرا من المعركة إلى السلطان فاعتقله بالإسكندرية حتى مر عليه بعد حين من الدهر وأطلقه على أن يمكنوا المسلمين من دمياط فوفوا له ثم على شرط المسالمة فيما بعد فنقضه لمدة قريبة واعتزم على الحركة إلى تونس متجنيا عليهم فيما زعموا بمال أدعياء تجار أرضهم وأنهم أقرضوا اللياني فلما نكبه السلطان طالبوه بذلك المال وهو نحو ثلثمائة دينار بغير موجب يستندون إليه فغضبوا لذلك واشتكوه إلى طاغيتهم فامتعض لهم ورغبوه في غزو تونس لما كان فيها من المجاعة والموتان.
فأرسل الفرنسيس طاغية الإفرنج واسمه سنلويس بن لويس وتلقب بلغة الإفرنج روا فرنس ومعناه ملك إفرنس فأرسل إلى ملوك النصارى يستنفرهم إلى غزوها وأرسل إلى القائد خليفة المسيح بزعمهم فأوعز إلى ملوك النصرانية مظاهرته وأطلق يده في أموال الكنائس مددا له وشاع خبر استعداد النصارى للغزو في سائر بلادهم وكان الذين أجابوه للغزو ببلاد المسلمين من ملوك النصرانية ملك الإنكثار وملك اسكوسيا وملك نزول وملك برشلونة واسمه ريدراكون وجماعة آخرون من ملوك الإفرنج هكذا ذكر ابن الأثير وأهم المسلمين بكل ثغر شأنهم وأمر السلطان في سائر عمالاته بالاستكثار من العدة وأرسل في الثغور لذلك بإصلاح الأسوار واختزان الحبوب وانقبض تجار النصارى عن تعاهد بلاد المسلمين وأوفد السلطان رسله إلى الفرنسيس لاختبار رحاله ومشارطته على ما يكف عزمه وحملوا ثمانين ألفا من الذهب لاستتمام شروطهم فيما زعموا فأخذ المال من أيديهم وأخبرهم أن غزوه إلى أرضهم فم طلبوا المال اعتل عليهم بأنه لم يباشر قبضه ووافق شأنهم معه وصول رسول عن مصاحب مصر فأحضر عند الفرنسيس واستجلس فأبى وأنشده قائلا من قول أبي مطروح شاعر السلطان بمصر:
قل للفرنسيس إذا جئته ** مقال صدق من وزير نصيح
آجرك الله على ما جرى ** من قتل عباد نصارى المسيح

أتيت مصرا تبتغي ملكها ** تحسب أن الزمر بالطبل ريح

فساقك الحين إلى أدهم ** ضاق به عن ناظريك الفسيح

وكل أصحابك أودعتهم ** بسوء تدبيرك بطن الضريح

سبعون ألفا لا يرى منهم ** إلا قتيل أو أسير جريح

ألهمك الله إلى مثلها ** لعل عيسى منكم يستريح

إن كان باباكم بذا راضيا ** فرب غش قد أتى من نصيح

فاتخذوه كاهنا إنه ** أنصح من شق لكم أو سطيح

وقل لهم إن أزمعوا عودة ** لأخذ ثار أو لشغل قبيح

دار ابن لقمان على حالها ** والقيد باق والطواشي صبيح

يعني بدار ابن لقمان موضع اعتقاله بالإسكندرية والطواشي في عرف أهل مصر هو الخصي فلما استكمل إنشاده لم يزد ذلك الطاغية إلا عتوا واستكبارا واعتذر عن نقض العهد في غزو تونس بما يسمع عنهم من المخالفات عذرا دافعهم به وصرف الرسل من سائر الآفاق ليومه فوصل رسل السلطان منذرين بشأنهم وجمع الطاغية حشده وركب أساطيله إلى تونس آخر ذي القعدة سنة ثمان وستين وستمائة فاجتمعوا بسردانية وقيل بصقلية ثم واعدهم بمرسى تونس وأقلعوا ونادى السلطان في الناس بالنذير بالعدو والاستعداد له النفير إلى أقرب المدائن وبعث الشواني لاستطلاع الخبر واستفهم أياما.
ثم توالت الأساطيل بمرسى قرطاجنة وتفاوض السلطان مع أهل الشورى من الأندلس والموحدين في تخليتهم وشأنهم من النزول بالساحل أو صدهم عنه فأشار بعضهم بصدهم حتى تنفد ذخيرتهم من الزاد والماء فيضطرون إلى الأقلاع وقال آخرون إذا أقلعوا من مرسى الحضرة ذات الحامية والعدد صبحوا بعض الثغور سواها فملكوه واستباحوه واستصعبت مغالبتهم عليه فوافق السلطان على هذا وخلوا وشأنهم من النزول فنزلوا بساحل قرطاجنة بعد أن ملئت سواحل رودس بالمرابطة بجند الأندلس والمطوعة زهاء أربع آلاف فارس لنظر محمد بن الحسين رئيس الدولة.
ولما نزل النصارى بالساحل وكانوا زهاء ستة آلاف فارس وثلاثين ألفا من الرجالة فيما حدثني أبي عن أبيه رحمهما الله قال: وكانت أساطيلهم ثلثمائة بين كبار وصغار وكانوا سبعة يعاسيب كان فيهم الفرنسيس وإخوة جرون صاحب صقلية وصاحب الجزر والعلجة زوج الطاغية تسمى الرينة وصاحب البر الكبير وتسميهم العامة من أهل الأخبار ملوكا ويعنون أنهم متباينون ظاهروا على غزو تونس وليس كذلك.
وإنما كان واحدا وهو طاغية الفرنجة وإخوته وبطارقته عد كل واحد منهم ما ملكا لفضل قوته وشدة بأسه فأنزلوا عساكرهم في المدينة القديمة من قرطاجنة وكانت مائلة الجدران اضطرام المعسكر بداخلها ووصلوا ما فصله الخراب من أسوارها بألواح الخشب ونضدوا شرفاتها وأداروا على السور خندقا بعيد المهوى وتحصنوا وندم السلطان على إضاعة الحزم في تخريبها أو دفاعهم عن نزلها وأقام ملك الفرنجة وقومه متمرسين بتونس ستة أشهر والمدد يأتيه في أساطيله في البحر من صقلية والعدوة بالرجل والأصلحة والأقوات.
وسلك بعض المسلمين طريقا في البحيرة واتبعهم العرب فأصابوا غرة في العدو فظفروا وغنموا وشعروا بمكانهم فكفلوا بحراسة البحيرة وبعثوا فيها الشواني بالرماة ومنعوا الطريق إليهم وبعث السلطان في ممالكه حاشدا فوافته الأمداد من كل ناحية ووصل أبو هلال صاحب بجاية وجاءت جموع العرب وسدويكش وولهاصة وهوارة حتى أمده ملوك المغرب من زناتة وسرح إليه محمد بن عبد القوي عسكر بني توجين لنظر ابنه زيان وأخرج السلطان أبنيته وعقد لسبعة من الموحدين على سائر الجند من المرتزقة والمطوعة وهم: إسمعيل بن أبي كلداسن وعيسى بن داود ويحيى بن أبي بكر ويحيى بن صالح وأبو هلال عياد بجاية ومحمد بن عبو وأمرهم كلهم راجع ليحيى بن صالح ويحيى بن أبي بكر منهم واجتمع من المسلمين عدد لا يحصى وخرج الصلحاء والفقهاء والمرابطون لمباشرة الجهاد بأنفسهم والتزم السلطان القعود بإيوائه مع بطانته وأهل اختصاصه وهم:
الشيخ أبو سعيد المعروف بالعود وابن أبي الحسين وقاضيه أبو القاسم بن البراء وأخو العيش واتصلت الحرب والتقوا في منتصف محرم سنة تسع بالمنصف فرحف يومئذ يحيى بن صالح وجرون فمات من الفريقين خلق وهجموا على المعسكر بعد العشاء وتدامر المسلمون عنده ثم غلبوا بعد أن قتل من النصارى زهاء خمسمائة فأصبحت أبنيته مضروبة كما كانت وأمر بالخندق على المعسكر فتعاورته الأيدي واحتفر فيه الشيخ أبو سعيد بنفسه وابتلي المسلمون بتونس وظنوا الظنون واتهم السلطان بالتحول عن تونس إلى القيروان.
ثم إن الله أهلك عدوهم وأصبح ملك الفرنجة ميتا يقال حتف أنفه ويقال أصابه سهم غرب في بعض المواقف فأبته ويقال أصابه مرض الوباء ويقال وهو بعيد أن السلطان بعث إليه مع ابن جرام الدلاصي بسيف مسموم وكان فيه مهلكه ولما هلك اجتمع النصارى على ابنه دمياط سمي بذلك لميلاده بها فبايعوه واعتزموا على الإقلاع وكان أمرهم راجعا إلى العلجة فراسلت المستنصر أن يبذل لها ما خسروه في مؤنة حركتهم وترجع بقومها فأسعفها السلطان لما كان العرب اعتزموا على الإنصراف إلى مشايتهم وبعث مشيخة الفقهاء لعقد الصلح في ربيع الأول سنة تسع وستين وستمائة فتولى عقده وكتابه القاضي ابن زيتون لخمسة عشر عاما وحضر أبو الحسن علي بن عمرو وأحمد بن الغماز وزيان بن محمد بن عبد القوى أمير بني توجين واختص جرون صاحب صقلية بسلم عقده على جزيرته وأقلع النصارى بأساطيلهم وأصابهم عاصف من الريح أشرفوا منه على العطب وهلك الكثير منهم وأغرم السلطان الرعايا ما أعطى العدو من المال فأعطوه طواعية يقال إنه عشرة أحمال من المال وترك النصارى بقرطاجنة تسعين منجنيقا وخاطب السلطان صاحب المغرب وملوك النواحي بالخبر ودفاعه عن المسلمين وما عقده من الصلح وأمر بتخريب قرطاجنة وأن يؤتي بنيانها من القواعد فصير أبنيتها طامسة ورجع الفرتجة إلى دعوتهم فكان آخر عهدهم بالظهور والاستفحال ولم يزالوا في تناقص وضعف إلى أن افترق ملكهم عمالات واستبد صاحب صقلية لنفسه وكذا صاحب نايل وجنوده وسردانية وبقى بيت ملكهم الأقدام لهذا العهد على غاية من الفشل والوهن والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.